فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقالت الملكانية: الجملة الأولى، واليعقوبية الجملة الثانية، والنسطورية الجملة الثالثة، وهذا يروي عن ابن عباس.
وفي الكشاف أن السيد قال الجملة الأولى وكان يعقوبيًا، والعاقب قال الثانية وكان نسطوريًا، والمسلمون قالوا الثالثة وأصابوا وعرفوا ذلك بإخبار الرسول عن جبريل عليهما الصلاة والسلام، فتكون الضمائر في {سيقولون} {ويقولون} عائدًا بعضها على نصارى نجران، وبعضها على المؤمنين.
وعن عليّ هم سبعة نفر أسماؤهم تمليخًا، ومكشلبينًا ومشلبينا هؤلاء أصحاب يمين الملك، وكان عن يساره مرنوش، ودبرنوش، وشاذنوش وكان يستشير هؤلاء الستة في أمره، والسابع الراعي الذي وافقهم، هربوا من ملكهم دقيانوس واسم مدينتهم أفسوس واسم كلبهم قطمير انتهى.
وقال ابن عطية: الضمير في قوله: {سيقولون} يراد به أهل التوراة من معاصري محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم اختلفوا في عدد أهل الكهف هذا الاختلاف المنصوص انتهى.
قيل: وجاء بسين الاستقبال لأنه كانه في الكلام طي وإدماج، والتقدير فإذا أجبتهم عن سؤالهم وقصصت عليهم قصة أهل الكهف فسلهم عن عددهم فإنهم إذا سألتهم {سيقولون}.
وقرأ ابن محيصن ثلاث بإدغام الثاء في التاء، وحسن ذلك لقرب مخرجهما وكونهما مهموسين، لأن الساكن الذي قبل الثاء من حروف اللين فحسن ذلك، ويقولون لم يأت بالسين فيه ولا فيما بعده لأنه معطوف على المستقبل فدخل في الاستقبال، أو لأنه أريد به معنى الاستقبال الذي هو صالح له.
وقرأ شبل بن عباد عن ابن كثير بفتح ميم {خمسة} وهي لغة كعشرة.
وقرأ ابن محيصن بكسر الخاء والميم وبإدغام التاء في السين، وعنه أيضًا إدغام التنوين في السين بغير غنة.
{رجمًا بالغيب} رميًا بالشيء المغيب عنهم أو ظنًا، استعير من الرجم كأن الإنسان يرمي الموضع المجهول عنده بظنه المرة بعد المرة يرجم به عسى أن يصيب، ومنه الترجمان وترجمة الكتاب.
وقول زهير:
وما الحرب إلاّ ما علمتم وذقتم ** وما هو عنها بالحديث المرجم

أي المظنون، وأتت هذه عقب ما تقدم ليدل على أن قائل تلك المقالتين لم يقولوا ذلك عن علم وإنما قالوا ذلك على سبيل التخمين والحدس، وجاءت المقالة الثالثة خالية عن هذا القيد مشعرة أنها هي المقالة الصادقة كما تقدم ذكر ذلك عن عليّ.
وعن رسول الله عن جبريل عليهما الصلاة والسلام.
وانتصب {رجمًا} على أنه مصدر لفعل مضمر أي يرجمون بذلك، أو لتضمين {سيقولون} و{يقولون} معنى يرجمون، أو لكونه مفعولًا من أجله أي قالوا ذلك لرميهم بالخبر الخفي أو لظنهم ذلك، أي الحامل لهم على هذا القول هو الرجم بالغيب.
و{ثلاثة} خبر مبتدأ محذوف، والجملة بعده صفة أي هم ثلاثة أشخاص، وإنما قدرنا أشخاصًا لأن {رابعهم} اسم فاعل أضيف إلى الضمير، والمعنى أنه ربعهم أي جعلهم أربعة وصيرهم إلى هذا العدد، فلو قدر {ثلاثة} رجال استحال أن يصير ثلاثة رجال أربعة لاختلاف الجنسين، والواو في {وثامنهم} للعطف على الجملة السابقة أي {يقولون} هم {سبعة وثامنهم كلبهم} فأخبروا أولًا بسبعة رجال جزمًا، ثم أخبروا أخبارًا ثانيًا أن {ثامنهم كلبهم} بخلاف القولين السابقين، فإن كلًا منهما جملة واحدة وصف المحدث عنه بصفة، ولم يعطف الجملة عليه.
وذكر عن أبي بكر بن عياش وابن خالويه أنها واو الثمانية، وأن قريشًا إذا تحدثت تقول ستة سبعة وثمانية تسعة فتدخل الواو في الثمانية، وكونهما جملتين معطوف إحداهما على الأخرى مؤذن بالتثبيت في الإخبار بخلاف ما تقدم فإنهم أخبروا بشيء موصوف بشيء لم يتأخر عن الإخبار، ولذلك جاء فيه {رجمًا بالغيب} ولم يجيء في هاتين الجملتين بشيء يقدح فيهما.
وقرئ: {وثامنهم كالبهم} أي صاحب كلبهم، وزعم بعضهم أنهم ثمانية رجال، واستدل بهذه القراءة وأول قوله وكلبهم على حذف مضاف، أي وصاحب كلبهم.
وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله: {وثامنهم} ليس داخلًا تحت قولهم بل لقولهم هو قوله: {ويقولون سبعة} ثم أخبر تعالى بهذا على سبيل الاستئناف، وإذا كان استئنافًا من الله دل ذلك على أنهم ثمانية بالكلب، وأما {رابعهم كلبهم} و{سادسهم كلبهم} فهو من جملة المحكي من قولهم، لأن كلًا من الجملتين صفة، وإلى أن العدة ثمانية بالكلب ذهب الأكثرون من الصحابة والتابعين وأئمة التفسير.
وقال الزمخشري: فإن قلت: فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة ولم دخلت عليها دون الأولتين؟ قلت: هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالًا عن المعرفة في نحو قولك: جاءني رجل ومعه آخر، ومررت بزيد وفي يده سيف.
ومنه قوله عز وعلا {وما أهلكنا من قرية إلاّ ولها كتاب معلوم} وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على اتصافه أمر ثابت مستقر، وهي الواو التي آذنت بأن الذين قالوا {سبعة وثامنهم كلبهم} قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس ولم يرجموا بالظن كما غيرهم انتهى.
وكون الواو تدخل على الجملة الواقعة صفة دالة على لصوق الصفة بالموصوف وعلى ثبوت اتصاله بها شيء لا يعرفه النحويون، بل قرروا أنه لا تعطف الصفة التي ليست بجملة على صفة أخرى إلاّ إذا اختلفت المعاني حتى يكون العطف دالًا على المغايرة، وأما إذا لم يختلف فلا يجوز العطف هذا في الأسماء المفردة، وأما الجمل التي تقع صفة فهي أبعد من أن يجوز ذلك فيها، وقد ردوا على من ذهب إلى أن قول سيبويه، وأما ما جاء لمعنى وليس باسم ولا فعل هو على أن وليس باسم ولا فعل صفة لقوله لمعنى، وأن الواو دخلت في الجملة بأن ذلك ليس من كلام العرب مررت برجل ويأكل على تقدير الصفة.
وأما قوله تعالى: {إلاّ ولها} فالجملة حالية ويكفي ردًا لقول الزمخشري: إنّا لا نعلم أحدًا من علماء النحو ذهب إلى ذلك، ولما أخبر تعالى عن مقالتهم واضطرابهم في عددهم أمره تعالى أن يقول: {قل ربي أعلم بعدتهم} أي لا يخبر بعددهم إلا من يعلمهم حقيقة وهو الله تعالى {ما يعلمهم إلا قليل} والمثبت في حق الله تعالى هو الأعلمية وفي حق القليل العالمية فلا تعارض.
قيل: من الملائكة.
وقيل: من العلماء وعلم القليل لا يكون إلاّ بإعلام الله.
وقال ابن عباس: أنا من القليل، ثم نهاه تعالى عن الجدال فيهم أي في عدتهم، والمراء وسمي مراجعته لهم {مراء} على سبيل المقابلة لمماراة أهل الكتاب له في ذلك، وقيده بقوله ظاهرًا أي غير متعمق فيه وهو إن نقص عليهم ما أوحي إليك فحسب من غير تجهيل ولا تعنيف كما قال: {وجادلهم بالتي هي أحسن} وقال ابن زيد: {مراء ظاهرًا} هو قولك لهم ليس كما تعلمون.
وحكي الماوردي إلاّ بحجة ظاهرة.
وقال ابن الأنباري: إلاّ جدال متيقن عالم بحقيقة الخبر، والله تعالى ألقى إليك ما لا يشوبه باطل.
وقال ابن بحر: {ظاهرًا} يشهده الناس.
وقال التبريزي: {ظاهرًا} ذاهبًا بحجة الخصم.
وأنشد:
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

أي ذاهب، ثم نهاه أن يسأل أحدًا من أهل الكتاب عن قصتهم لا سؤال متعنت لأنه خلاف ما أمرت به من الجدال بالتي هي أحسن، ولا سؤال مسترشد لأنه تعالى قد أرشدك بأن أوحى إليك قصتهم، ثم نهاه أن يخبر بأنه يفعل في الزمن المستقبل شيئًا إلاّ ويقرن ذلك بمشيئة الله تعالى، وتقدم في سبب النزول أنه عليه السلام حين سأله قريش عن أهل الكهف والخضر والروح قال: «غدًا أخبركم». ولم يقل إن شاء الله، فتأخر عنه الوحي مدة.
قيل: خمسة عشر يومًا.
وقيل: أربعين و{إلاّ أن يشاء الله} استثناء لا يمكن حمله على ظاهره لأنه يكون داخلًا تحت القول، فيكون من المقول ولا ينهاه الله أن يقول: {إني فاعل ذلك غدًا إلا أن يشاء الله} لأنه كلام صحيح في نفسه لا يمكن ينهى عنه، فاحتيج في تأويل هذا الظاهر إلى تقدير.
فقال ابن عطية: في الكلام حذف يقتضيه الظاهر ويحسنه الإيجاز تقديره إلاّ أن تقول: {إلا أن يشاء الله} أو إلاّ أن تقول إن شاء الله، فالمعنى إلاّ أن تذكر مشيئة الله فليس {إلا أن يشاء الله} من القول الذي نهى عنه.
وقال الزمخشري: {إلاّ أن يشاء الله} متعلق بالنهي لا بقوله: {إني فاعل} لأنه لو قال: {إني فاعل} كذا {إلاّ أن يشاء الله} كان معناه إلاّ أن تعترض مشيئة الله دون فعله، وذلك ما لا مدخل فيه للنهي وتعلقه بالنهي على وجهين.
أحدهما: ولا تقولنّ ذلك القول إلاّ أن يشاء الله أن تقوله بأن ذلك فيه.
والثاني: ولا تقولنه إلاّ بأن يشاء الله أي إلاّ بمشيئته وهو في موضع الحال، أي إلاّ ملتبسًا بمشيئة الله قائلًا إن شاء الله.
وفيه وجه ثالث وهو أن يكون إلاّ أن يشاء الله في معنى كلمة ثانية كأنه قيل: ولا تقولنه أبدًا ونحوه {وما يكون لنا أن نعود فيها إلاّ أن يشاء الله ربنا} لأن عودهم في ملتهم مما لن يشاء الله، وهذا نهي تأديب من الله لنبيه حين قال: «ائتوني غدًا أخبركم». ولم يستثن انتهى.
قال ابن عطية: وقالت فرقة هو استثناء من قوله: {ولا تقولن} وحكاه الطبري، ورد عليه وهو من الفساد من حيث كان الواجب أن لا يحكى انتهى.
وتقدم تخريج الزمخشري: ذلك على أن يكون متعلقًا بالنهي، وتكلم المفسرون في هذه الآية في الاستثناء في اليمين، وليست الآية في الإيمان والظاهر أمره تعالى بذكر الله إذا عرض له نسيان، ومتعلق النسيان غير متعلق الذكر.
فقيل: التقدير {واذكر ربك} إذا تركت بعض ما أمرك به.
وقيل واذكره إذا اعتراك النسيان ليذكرك المنسيّ، وقد حمل قتادة ذلك على أداء الصلاة المنسية عند ذكرها.
وقيل: {واذكر ربك} بالتسبيح والاستغفار {إذا نسيت} كلمة الاستثناء تشديدًا في البعث على الاهتمام بها.
وقيل: {واذكر} مشيئة {ربك} إذا فرط منك نسيان لذلك أي {إذا نسيت} كلمة الاستثناء ثم تنبهت لها، فتداركتها بالذكر قاله ابن جبير.
قال: ولو بعد يوم أو شهر أو سنة.
وقال ابن الأنباري: بعد تقضي النسيان كما تقول: اذكر لعبد الله إذا صلى صاحبك أي إذا قضى الصلاة.
والإشارة بقوله لأقرب من هذا إلى الشيء المنسي أي {اذكر ربك} عند نسيانه بأن تقول: {عسى أن يهديني ربي} لشيء آخر بدل هذا المنسي أقرب منه {رشدًا} وأدنى خيرًا أو منفعة، ولعل النسيان كان خيرة كقوله: {أو ننسها نأت بخير منها} وقال الزمخشري: وهذا إشارة إلى بناء أهل الكهف، ومعناه لعل الله يؤتيني من البينات والحجج على أني نبيّ صادق ما هو أعظم في الدلالة وأقرب رشدًا من بناء أصحاب الكهف، وقد فعل ذلك حيث آتاد من قصص الأنبياء والأخبار بالغيوب ما هو أعظم من ذلك وأدل انتهى.
وهذا تقدمه إليه الزجّاج قال المعنى: {عسى} أن ييسر الله من الأدلة على نبوّتي أقرب من دليل أصحاب الكهف.
وقال ابن الأنباري: {عسى} أن يعرفني جواب مسائلكم قبل الوقت الذي حددته لكم ويعجل لي من جهته الرشاد.
وقال محمد الكوفي المفسر: هي بألفاظها مما أمر أن يقولها كل من لم يستثن وإنها كفارة لنسيان الاستثناء. اهـ.

.قال أبو السعود:

{سَيَقُولُونَ} الضميرُ في الأفعال الثلاثة للخائضين في قصتهم في عهد النبيِّ عليه الصلاة والسلام من أهل الكتابِ والمسلمين لكن لا على وجه إسنادِ كلَ منها إلى كلهم بل إلى بعضهم {ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} أي هم ثلاثةُ أشخاص رابعُهم أي جاعلُهم أربعةً بانضمامه إليهم كلبُهم، قيل: قالته اليهودُ، وقيل: قاله السيد من نصارى نَجرانَ وكان يعقوبيًا، وقرئ: {ثلاةٌ} بإدغام الثاء في التاء {وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} قيل: قالتْه النصارى أو العاقبُ منهم وكان نِسْطوريًا {رَجْمًا بالغيب} رميًا بالخبر الخفيِّ الذي لا مُطَّلَعَ عليه أو ظنًّا بالغيب من قولهم: رجَمَ بالظن إذا ظن، وانتصابُه على الحالية من الضمير في الفعلين جميعًا أي راجمين أو على المصدرية منهما فإن الرجْمَ والقولَ واحد، أو من محذوف مستأنَفٍ واقعٍ موقعَ الحال من الضمير في الفعلين معًا أي يرجُمون رجمًا، وعدم إيرادِ السينِ للاكتفاء بعطفه على ما فيه ذلك.
{وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} هو ما يقوله المسلمون بطريق التلقي من هذا الوحي وما فيه مما يرشدهم إلى ذلك من عدم نظمِه في سلك الرجْمِ بالغيب، وتغييرُ سبكه بزيادة الواو المفيدةِ لزيادة وكادةِ النسبة فيما بين طرفيها لا بوحي آخرَ كما قيل {قُلْ} تحقيقًا للحق وردًّا على الأولين {رَّبّى أَعْلَمُ} أي أقوى علمًا {بِعِدَّتِهِم} بعددهم {مَّا يَعْلَمُهُمْ} أي ما يعلم عِدّتهم أو ما يعلمهم فضلًا عن العلم بعِدتهم {إِلاَّ قَلِيلٌ} من الناس قد وفقهم الله تعالى للاستشهاد بتلك الشواهد. قال ابن عباس رضي الله عنهما: حين وقعت الواوُ انقطعت العِدّةُ وعليه مدارُ قوله رضي الله عنه: أنا من ذلك القليل ولو كان في ذلك وحيٌ آخرُ لما خفيَ عليه ولما احتاج إلى الاستشهاد بالواو ولكان المسلمون أسوةً له في العلم بذلك.